السعي نحو السلام والمصالحة داخل الأسرة البشرية هو محور أساسي من الرسالة التي تدعو لها جماعة تيزيه، وهي تنظـّم منذ ثلاثين عاما "رحلة الحج المبني على الثقة في أنحاء الأرض"، والذي شارك فيه عدة أجيال من الشباب من مختلف القارات.
اجتمع في بروكسل 40،000 شاب وشابة من أنحاء أوروبا في إحدى مراحل رحلة الحج هذه، في الفترة من 28 ديسمبر / كانون الأول إلى 2 يناير / كانون الثاني 2009، وهم يريدون إحياء الحدس والحماسة التي صاحبت بداية بناء أوروبا الموحدة: تجسيد المصالحة بين الشعوب عن طريق مشاركة مواردهم وما يميّز كل واحد منهم فيما بينهم.
بناء أوروبا الموحدة: مغامرة غير مسبوقة
نجحت أوروبا في أن تبدأ عهد سلام ليس له نظير في تاريخها. إن ما تم إنجازه يوقظ رجاءً غير محدود في مناطق أخري من العالم. بعد هذا الكم من التمزق، أصبح السلام خيراً لا يقدر بثمن. ولكن هذا السلام لا يتم الوصول إليه دفعة واحدة، بل يحتاج إعادة بناءه جيلاً بعد جيل.
عدم الاستسلام للامبالاة
ينظر الآن بعض الناس للمؤسسات الأوروبية، أحياناً، نظرة بها عدم فهم أو شيء من اللامبالاة. ولكن وجود هذه المؤسسات أمر ضروري لتأمين استمرارية بناء السلام في هذه القارة. مع ذلك لا يجب أن تحل هذه المؤسسات محل تحمّل المجتمع الأوروبي لمسئولياته على كل مستوي من المستويات [1]. يستطيع المسئولون في كل دولة من جانبهم أن يدعموا هذا الاتجاه الجديد بأن يكفوا عن اتهام المؤسسات الأوروبية ظلماً واتخاذها كبش فداء في أوقات وجوب اتخاذ أي قرارات صعبة.
العولمة والتضامن
لا يصل بناء أوروبا إلى معناه الكامل إلا إذا كان متضامناً مع باقي. القارات ومع أفقر الشعوب. هذه الشعوب تتطور بشكل بالغ السرعة! يحتاج الوضع الراهن لجهود جديدة للفهم ولتطويع المؤسسات الأوروبية وآليات تقديم المعونات.
يطلب العديد من الشباب أن تصاحب العولمة الاقتصادية عولمة التضامن. ألا يستوجب الوصول لهدف الرخاء المشترك أن تكون الدول الغنية أكثر كرماً بأن تزيد من استثماراتها لصالح الدول النامية وأيضاً في استضافة المهاجرين القادمين من هذه الدول بشكل لائق ومسئول.
لقد اكتسب الكثير من الشباب وعياً أوروبياً حقيقياً عن طريق زيادة العلاقات الشخصية على مستوي قارتهم. بحيث لا يتطلب ذلك التخلي عن خصوصيات كل شعب أو كل إقليم بل أن يتم مشاركة المواهب في جو من احترام التعددية. ظهور مبادرات مثل برنامج للخدمة العامة الأوروبية سوف يساعد على زيادة التعارف المتبادل بين الشعوب.
الأزمة الاقتصادية الحالية
وضحّت الأزمة الاقتصادية الحالية أنه لا يمكن للاقتصاد أن ينمو بشكل مستدام بدون مراعاة الأخلاقيات. يمكن لهذه الأزمة أن تصبح نعمة إذا أدت بنا لأن نتساءل حول أولوياتنا في بناء المجتمع العالمي: ما هو شكل التنمية الذي نسعى إليه؟ ما هي التنمية الممكنة والتي تحترم محدودية موارد كوكبنا؟
ومع زيادة تعقيد النظام الاقتصادي والمالي العالمي تزيد ضرورة وجود أساليب للتنسيق والتحكم من أجل الخير المشترك للأسرة البشرية جمعاء. في هذا الشأن لا يمكن الاستغناء عن وجود هيئات دولية تضع القواعد التي تضمن المزيد من العدالة [2].
مجالين لمساهمة المسيحيين
يشجع الإنجيل على بساطة العيش ويدعو المؤمن إلى التحكم في شهواته حتى يصل للاعتدال، ليس رغماً عنه لكن باختياره [3]. هذه البساطة التي يتم اختيارها بحرية تسمح بمواجهة التسابق، لدي ميسوري الحال، نحو تملك المزيد، وتساهم في الحد من الفقر الذي يتم فرضه على المعدومين.
المجال الثاني لمساهمة المسيحيين هو عن طريق السعي نحو الغفران. يتضمن ذلك رفض توريث الأحقاد الناتجة عن الجراح غير الملتئمة إلى الأجيال اللاحقة: لا يعني ذلك نسيان الماضي الأليم ولكن شفاء الذاكرة عن طريق الغفران لإيقاف سلسلة المشاعر السلبية المستمرة. لا يوجد مستقبل لمجتمعاتنا بدون غفران. جزء كبير من دوافع البناء لأوروبا الموحدة كان بفضل الإيمان بهذه الفكرة [4].
يمكن لجميعنا المشاركة في حضارة قوامها الثقة في الآخرين وليس الشك فيهم. كان عدد قليل من الناس يكفي في بعض الأحيان عبر التاريخ، لتغيير مجريات الأمور نحو السلام [5].