TAIZÉ

رسالة ۲۰۱۱ : رسالــــــة من شيلـــــي.

 

عندما قررنا، مع مسؤولي أخوية خدمة الشباب في شيلي، عن إمكانية عقد لقائنا الدولي الثاني في امريكا اللاتينية في سانتياغو ابتداءً من ۸ ولغاية ۱۲ كانون الأول ۲۰۱۰ ، لم يكن لدينا أية فكرة أن هذا العام ۲۰۱۰ ستكون محن الشعب الشيلي ممزوجة مع الأفراح .
خلال التحضير للقاء الشباب هذه السنة ، أتيح للعديد من الإخوة المشاركة في كل من هذا وذاك. وفي الوقت عينه احتفل الشيليين مع هؤلاء الاُخرين القادمين من بلدان امريكا اللاتينية بمناسبة مرور مئتي عام على ولادة جمهوريتهم. وإن الكوارث الطبيعيّة العنيفة تركت تأثيراَ مؤلماً عليهم.أما زلزال شهر شباط المنصرم فقد كان له الأثر الأكبر تضرراً على الفقراء. لكن الكرم الكبير المتدفق الصادر من عمق نفس الشعب بَّين إلى أي مدى أن الشيليين عائلة واحدة متحدة في المحن. لقد ذهب العديد من الشيليين لمساعدة هؤلاء الذين فقدوا منازلهم ووظائفهم , فأعطوا من وقتهم وجهدهم لبناء أكواخ خشبية صغيرة يمكن استخدامها كمنازل مؤقتة. لوحظ في العام عينه أن مجموعة من السكان الأصليين لشيلي مجموعة " المابوتشي" ، يظهرون معاناتهم ومطالبهم من خلال تعهدهم بإضراب عن الطعام لفترة طويلة . بعد فترة قليلة من الزمن صوّر۳۳ عاملاً ممن كانوا تحت أنقاض حادث المنجم، فأعادوا مجدّداً الفرح إلى قلوب الناس. هناك. وفي بداية شهر كانون الأول، مَكَّن اللقاء الدولي للشبيبة ل- ۸۰۰۰ شاباً، ليسوا فقط من شيلي لكن من كافة أقطار القارة ، من أن يشاركوا بالأفراح والأحزان والتحديات ومن خلال هذا كله عملوا معاً للحصول على عالم أكثر إنسانية.
لقد كنا سعداء بالترحيب ب ۲۵ شاب من شباب هاييتي للمشاركة في هذا اللقاء. وذَّكّرنا حضورهم بالمحنة الرهيبة التي أحدثها زلزال شهر كانون الثاني ۲۰۱۰ والذي لم يكن من السهل مداواة هذه الجراح.
بعد ذلك، قمنا بزيارة قصيرة لهايتي في ما بين لقاء" سانتياغو" ولقاء الاوربيين في "روتردام " حيث أعطية فرصة للأخ ألويس للتعبير عن تضامن الشباب من كل الاقطار وإعجابهم بأن: الإيمان يحفظ هؤلاء الناس على أقدامهم في وسط المحن. سنظل نصلي معهم خلال السنة القادمة: يا الله يا رجائنا, نستودعك شعب هاييتي مستائين من التعديات الغامضة علي الأبرياء. نسألك أن تلهم قلوب هؤلاء الذين يحضّرون لهم المساعدات الهامّة. نعلم أن الإيمان العميق هو الذي ساعد شعب هاييتي للصمود في الضيق، يارب، ساعد المتضايقين، قوي الحزانى. أرح المتألمين، اسكب روح حبك على هؤلاء الأحبة الذين اُصيبوا في أعماقهم.

هذا الرسالة من شيلي. كٌتبت بواسطة الأخ ألويس لعام ۲۰۱۱. ونٌشرت خلال اللقاء الأوروبي الذي جمع ۳۰۰۰۰ شاب في روتردام في نهاية شهر كانون الأول ۲۰۱۰ .

الفرح

فرح القلب، هو حياتك. أترك الحزن ورائك!۱ إنها مناشدة مؤمن عاش قبل المسيح بفترة طويلة، وهي موجهة أيضاً إلينا اليوم. نحن نمر بتجارب ومعاناة في حياتنا ۲ ، وأحياناً هذه تستمر طويلاً. لكننا نريد دائماً أن نجرّب ونعيد اكتشاف الفرح في حياتنا. من أين يأتي هذا الفرح ؟ إنه إيقاظ من لقاء غير متوقع. من صداقة مستمرة، من خليقة جميلة فنية وأيضاً من جمال الطبيعة...
إن الحب المعبّر لنا يوّلد فينا السعادة التي تملء تدريجيا أعماق النفس.

وبعد ذلك نقاد أن نختار اختياراً واعياً، وهذا الاختيار هو الفرح. إنّ الذين يعانون من الفقر والحرمان يحيوا الفرح التلقائي العفوي هذا الفرح الذي يقاوم الإحباط.٤ عندما يدعونا الكتاب المقدس مراراً أن نكون فرحين. يُظهر لنا مصدر هذا الفرح الذي لا يعتمد فقط على الظروف التي نمر بها وإنما يأتي من الثقة في الله "افرحوا في الرب كل حين، وأقول ايضاً افرحوا ....الرب قريب" ۵. المسيح لم يأتي ليؤسس ديانة تكون في منافسة مع الآخر في شخصه إن الله شاركنا حالتنا. لذا على كل إنسان أن يعرف أنه محبوب محبة أبدية ومن ثم يجد الفرح في الشراكة مع الله. عندما نؤمن في الله تظل أعيننا منفتحة أكثر إلى كل ما هو إنساني- حُب أم لطفلها، تقوي الذين يعتنون بالمرضى ....في مثل هذه الأفعال السخية يكون المسيح موجود دون أن يُلاحظ ٦ المسيح يعطي تجديد جوهري للبشرية هو عاش أولاً هذه الحياة الجديدة بنفسه وكافح ليظل أميناً. في ليلة إلقاء القبض عليه كسر الخبز وهو يقول هذه الكلمات الغامضة: "هذا هو جسدي المُعطى لكم."۷ نعم هو بالحقيقة “الكلمة صار جسداً" ۸ هو الذي حَّول موتهِ الغير مستحق إلى عطية حياته. بقيامته من الموت هو نفخ في تلاميذه الروح القدس، اقنوم الحياة في الله ۹ الروح القدس يجعل الفرح بقيامة المسيح في أعماقنا. إنه ليس فقط هناك في الأشياء السهلة ، بل عندما نواجه الصعوبات، من الممكن تجديد الفرح. وحتى في أوقات التجارب تظل مدفونه كجمرة تحت الرماد، دون أن تنطفئ 10

في التسبيح، ندع الفرح يصعد فينا وفجأة تستنير اللحظة الحاضرة.11

المحبـــة

إن اختيار الفرح ليس معناه الهروب بعيداً من مشاكل الحياة بل بالعكس؛ إنه يمكَّننا أن نواجه الواقع وحتى المعاناة. إن اختيار الفرح غير منفصل عن الانشغال بالآخرين. إنه يملأنا بمحبة لا حدود لها. عندما نتذوق فرح الله حتى ولو للحظة عابرة. فإنه يحولنا إلى رجالٍ ونساءٍ في شراكة. الوحدة كطريق للسعادة هو خيال 12.لكي نكون شهود على الشراكة المقدسة هذا يتطلب منا شجاعة للسير عكس التيار. إن الروح القدس سوف يعطينا الالهام الذي نحتاجه حتي نجد الوسيلة التي تجعلنا قريبين من هؤلاء الذين يتألمون. لنسمع لهم وندع هذه المواقف الصعبة تؤثر فينا.13إن طريق السعادة سيراً على خطى المسيح، يتطلب أن نقدم أنفسنا يوماً بعد يوم. من خلال الحياة التي نعيشها. في بساطة شديدة تمكننا أن نُعبر عن حب الله.

لو أن مجتمعاتنا وأبرشياتنا ومجموعات الشباب تستطيع أن تكون أكثر فأكثر موضعاً للثقة وللطيبة القلبية. فيها نرحب بعضنا البعض، حيثما نريد أن نفهم ونَدعم الآخرين. أماكن نكون فيها مهتمين بالضعفاء، هؤلاء الذين ليسوا في محيطنا المعتاد، هؤلاء الذين هم أكثر فقراً منا.
علامة من علامات زماننا، هو الكرم الكبير الذي جاء به كثير من الناس ليساعدوا ضحايا الكوارث الطبيعية المفجعة. كيف يستطيع هذا الكرم أن يُحفّز مجتمعاتنا حتى في الحياة العادية كل يوم.14
بالرغم من أهمية المساعدة العينية في المواقف الحرجة، لكنها ليست كافية. المهم هو استرجاع العدالة للمحتاجين.15
يٌذكَّرني مسيحيّي أمريكا اللاتينية أن الصراع ضد الفقر هو نضال نحو العدالة. إن العدالة في العلاقات الدولية ليست المساعدة.16
علينا أن نتعلم كيفية التغلب على الخوف. إنه مألوف عندنا الاندفاع تلقائياً لحماية أنفسنا. وهو عبارة عن الرغبة في الحفاظ على أنفسنا حتى ولو على حساب الآخرين.
وفي الغالب أنه أصبح أكثر وضوحاً في يومنا هذا ازدياد الشعور بعدم الأمان.
كيف نتحاشى الاستسلام للخوف؟ أليس هوعدم التواصل مع الآخرين، وحتى مع هؤلاء الذين يبدون أنهم تهديد لنا؟

الهجرة هي علامة أُخرى في زماننا. إنها أحياناً تُصَورعلى أنها خطر، ولكنها بالحقيقة واقع لامفّر منه، واقع يحدد شكل المستقبل 17.
علامة أخرى في وقتنا الحاضر هي الفقر المتزايد في بلدان غنية، حيثُما التنازل وغالباً العزلة هي السبب الأول والرئيسي في مجهولية الاقتصاد.
إن كثره تجميع الأشياء والممتلكات المادية تقتل الفرح. وهذا يحصُرنا في الشهوة. السعادة تكمن في مكان آخر:. باختيار نظام حياة بسيط، بالعمل ليس للكسب ولكن لجعل الحياة لها معنى، بالمشاركة مع الآخرين. يستطيع كل واحد منا أن يشارك بخلق مستقبل السلام. الله لا يعطي روح التردد بل روح الحب والقوة الداخلية. 18

المغفرة

يُشجعنا الإنجيل على أخذ خطوات أبعد: لابد للعدالة أن تكون بمقدار المغفرة؛ ولذا لا تستطيع المجتمعات الإنسانية العيش من دونها. بالحقيقة جراح التاريخ عميقة في أماكن كثيرة من العالم. لذا دعونا نجرؤ أن نضع حداً لما يمكن أن نُنهيه اليوم. وبهذه الطريقة يمكن تنفيذ مستقبل السلام بأكمله، هذا الذي تم إعدادهُ في قلب الله.
الإيمان بغفران الله لا يعني نسيان الخطأ. إن رسالة الغفران لا يمكن أن تستخدم كوسيلة للتغاضي عن الظلم بل بالعكس، الإيمان في الغفران يجعلنا أكثر حرية لنفهم أخطاءنا الخاصة، إضافة إلى الظلم والأخطاء التي تحيطنا وتلك التي في العالم.
يتوجب علينا إصلاح كل ما هو من الممكن أن يكون جيداً. على هذا الطريق الصعب نجد دعماً ضرورياً: في شراكة الكنيسة، فيمكن الحصول من جديد على غفران الله.

كُل إنسان بحاجة إلى الغفران كما هو يحتاج إلى الخبز اليومي19.الذي يُعطيه إيّاه الله دائماً من غير شروط "الذي يغفر كل ذنوبك" 20. إن رفع أيدينا في الصلاة هو اشارة بسيطة للتعبير عن استقبال الغفران، عندما نُصلي في الصلاة الربية :"اغفر لنا كما نغفر نحن ..... " نلتمس على الفور غفران الله. هذه ليست كلمات فارغة، ثمةَ شيء ما يحدث عندما نُردد هذه الكلمات التي علمنا إياها الرب يسوع بنفسه. وعندما نكون على استعداد أن نغفر من ناحيتنا، ولا ندين نهائياً شخصُ آخر يخطئ تجاهنا.
فرَّق المسيح بين الإنسان والخطأ المرتكب من قبل هذا الإنسان. على الصليب حتى آخر رمق، رفض المسيح أن يدين أحداً. وبعيداً من التقليل من وطأة الخطأ حمل أخطاءنا بنفسهِ.
هناك بعض المواقف التي لا نستطيع أن نغفر فيها، لأن الجرح عميق جداً. لذا علينا أن نتذكر أن غفران الله لا يسقط أبداً. كما هو الحال بالنسبة لنا في بعض الأحيان تنجح المحاولة تدريجياً. فتظل الرغبة في المغفرة هي أول خُطوة نقوم بها حتى عندما تكون هذه الرغبة مبطّنة بالمرارة.

ما يفعله الله في الغفران لهو أكثر من إزالة الخطأ. إنه يعطينا حياة جديدة في صداقته، حياة مشتعلة ليلاً نهاراً بالروح القدس.
أن نستقبل غفران الله ونمنحه بدورنا للآخرين، هو الطريق الذي فتحه المسيح أمامنا ونحن نسير قدماً فيه بالرغم من ضعفنا وجراحاتنا. المسيح لا يجعل منا رجالاً ونساءً قد وصلا بالفعل إلى الهدف.
أيّها الفقراء في الإنجيل: كوننا مسيحيين لا يعني الادعاء بأننا أفضل من الآخرين. ما يميزنا هو ببساطة :الاختيار، ألا وهو أن نكون للمسيح، وبهذا الاختيار نريد أن نكون ثابتين الخطوة.21 ونحن جميعا نستطيع أن نكتشف هذا، لأن المغفرة المعطاة أو المأخوذة تخلق الفرح. عندما نعرف أنه غُفر لنا ربما يكون هذا واحد من أعمق الأشياء وأكثرها تحريراً للفرح.
هذا الاختيار هو مصدر السلام الداخلي الذي يريد المسيح أن يوصله لنا. هذا السلام يقودنا بعيداً إنه سيشع للآخرين و للعالم.22

آخر تحديث: 28 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

Word - 90 كيلوبايت
رسالــــــة من شيلـــــي.