تعكس هذه الكلمات روح الحماس الساكن في الأخ روجيه بالرغم من كهولته. ماذا كان يقصد بكلمة «التوسّع»؟ أغلب الظن أنه كان يريد أن يقول: اعملوا كل ما في وسعكم لكي يُدرك كل إنسانٍ الحب الذي يكنّه الله لكل البشر ولكل الشعوب بلا استثناء. كان يريد من جماعتنا الصغيرة أن تـُعلِن عن هذا السر بواسطة حياتها عن طريق الالتزام المتواضع تجاه الآخرين. لذلك نبغي، نحن جماعة الأخوة، قبول هذا التحدي بالتعاون مع كل الساعين نحو السلام في هذا العالم.
وقد بدأ الأخ روجيه خلال الأسابيع السابقة لوفاته في التفكير بشأن الرسالة المُزمع نشرها أثناء لقاء ميلانو، كما حدد بعض الموضوعات والنصوص التي يرغب في استخدامها. لقد جمعنا هذه النصوص كما كانت وقت وفاته وكانت النتيجة هذه «الرسالة غير المكتملة»، والتي تم ترجمتها إلى 57 لغة مختلفة، وكأنها كلمات الأخ روجيه الأخيرة التي تساعدنا على المُضيّ قدمًا في الطريق الذي فيه «يوسّع الله خطواتنا» (مز 18: 37).
يمكن لكل واحدٍ أن يحاول استكمال هذه الرسالة غير المكتملة بواسطة حياته الخاصة، وذلك من خلال التأمل فيها في اللقاءات المختلفة التي تقام أسبوعيًا في تيزيه أو في أماكن أخرى من العالم أثناء عام 2006.
الأخ ألويز
«سلامي أترك لكم، سلامي أنا أعطيكم» [1] : ما هو هذا السلام الذي يعطينا الله إياه؟
هو أولاً سلامٌ داخليُّ، سلامٌ داخل القلب. إن هذا السلام هو الذي يتيح لنا أن ننظر إلى العالم بنظرة الرجاء بالرغم من كون العالم، في الكثير من الأحيان، ممزق بسبب العنف والنزاعات.
هذا السلام الإلهي هو أيضًا دعمٌ لنا من الله حتى نستطيع أن نشارك، بكل تواضعٍ، في إحلال السلام في المناطق التي يُعرَّض فيها السلام للتهديد.
إن السلام العالمي أصبح أمرًا ملحًا لتحقيق أحلام البشر، وبالأخص من أجل أطفال اليوم والغد كي لا يشعروا بالضيق وبعدم الأمان.
يعبّر القديس يوحنا في إنجيله عمّن هو الله، بفطرةٍ مطلقةٍ، مستخدمًا كلمتين: «الله محبة». [2] إذا استوعبنا فقط هاتين الكلمتين، لسوف نتقدم كثيرًا، كثيرًا جدًا.
لماذا تأسرنا هذه الكلمات؟.لأننا نجد فيها هذه الحقيقة المنيرة: الله يرسل المسيح إلى الأرض لا لكي يدين أحدًا بل لكي يعرف كل إنسانٍ أنه محبوبٌ ولكي يجد كل إنسانٍ سبيلاً للشركة مع الله.
لكن لماذا يدرك البعض هذا الحب العجيب فيعرفون أنهم محبوبون، بل يفيضون حبًا؟ ولماذا نجد أنه لدى البعض الآخر انطباعًا بأنهم غير معنيين بالأمر؟.
ليت كل واحدٍ يفهم أن الله يظل بجانبنا حتى في أوقات الوحدة الموحشة، وهو يقول لكل واحدٍ: ولمّا كنت عزيزًا عليّ ومجيدًا وأنا أحببتك.» [3] نعم، إن الله لا يمكنه إلا أن يهبنا محبته، وهذا هو لـُبّ الإنجيل.
ما يطلبه الله منا، ويعطيه إيانا، هو ببساطة أن نقبل رحمته غير المتناهية.
إن الله يحبنا، ولكن يصعب علينا أحيانـًا أن نعي هذه الحقيقة. وعندما نكتشف أن محبة الله لنا هي قبل كل شيءٍ مغفرةٌ لخطايانا، يسكن في قلوبنا السلام فيصير تغيير قلوبنا أمرًا ممكنـًا.
حينئذٍ نتمكن من نسيان ما يـُثـقِـل قلوبنا فنجد ينبوعًا نستقي منه النشاط والحيوية.
هل نعرف بما يكفي أن الله يثق بنا إلى درجة أنه يوجِّه نداءً خاصًا لكل واحدٍ منا؟.هو يدعونا لأن نحب بعضنا كما هو يحبنا. لا يوجد حبٌ أعمق من بذل الذات من أجل الله ومن أجل الآخرين.
من يحيا في الله يختار أن يحب، والقلب الذي يقرر أن يحب يمكنه أن يشعّ بالطيبة بغير حدودٍ.
[4]
تمتلئ الحياة بالجمال الهادئ لمن يحاول أن يحب بثقة.
من يختار أن يحب وأن يقول ذلك بواسطة حياته يصل إلى أن يسأل نفسه أحد أقوى الأسئلة المطروحة: كيف يمكن أن نريح القريبين منا والبعيدين عنا من أتعابهم وضيقاتهم؟.
ولكن ما معنى أن نحب؟.هل معناه مشاركة الآلام مع من تعصف بهم الحياة؟.نعم، هو كذلك.
هل معنى أن نحب هو أن تكون طيبة قلوبنا غير متناهيةٍ وأن ننسى أنفسنا من أجل الآخرين دون أنانية؟.نعم، بكل تأكيد.
مرة أخرى: ما معنى أن نحب؟.أن نحب يعنى أن نغفر للآخرين وأن نحيا متصالحين.
[5] والمصالحة هي دائمًا ربيع الروح.
بالقرب من منزلنا في القرية الجبلية الصغيرة التي وُلِدت بها كانت تعيش أسرة كبيرة العدد وشديدة الفقر. كان يأتي عندنا باستمرار أحد أطفال هذه الأسرة، وهو كان يصغرني قليلاً، وكان يحب أمي وكأنها أمه. وفي أحد الأيام عرف هذا الطفل أن أسرته قررت الرحيل عن القرية وكانت فكرة الرحيل فكرة صعبة بالنسبة له. كيف يمكن تعزية طفلاً في الخامسة أو السادسة من عمره؟.لقد بدا وكأنه ليست لديه مساحةٌ كافيةٌ من التفكير حتى يستوعب معنى هذا الفـُُراق.
أكـّد المسيح لخواصه، قبل أن يموت بوقتٍ قليلٍ، أنه سوف تصلهم التعزية إذ أنه يرسل الروح القدس كي يكون لهم عونـًا ومعزّيًا ويبقى دائمًا في وسطهم. [6]
ويظل المسيح يهمس في قلب كل واحدٍ منا اليوم قائلاً: «لن أدعك أبدًا بمفردك بل سوف أرسل لك الروح القدس. حتى وإن كنت في أقصى مراحل اليأس سوف أظل بجوارك».
استقبالنا لتعزية الروح القدس هو أن نحاول أن نسلـِّم أنفسنا له في صمتٍ وسلامٍ. حينئذٍ تكون لدينا القدرة على تخطى الأحداث التي تواجهنا، وأيضًا المفجعة منها.
هل لدينا قابلية للحزن ونحتاج للتعزية؟.
يحدث لجميعنا أن تعصف بنا الأمور، سواء عن طريق تجربةٍ شخصيةٍ نمرّ بها أو عن طريق آلام الآخرين. يصل ذلك في بعض الأحيان لدرجة تفقِدنا الإيمان وتطفئ فينا الرجاء. أحيانـًا تتطلب إعادة الثقة في الإيمان والسلام أن نتحلـّى بالصبر مع ذواتنا.
أحد هذه الضيقات التي تترك أثرًا غائرًا هي موت أحد الأقرباء والذين نحتاج إليهم لنستمر في المضيّ قدمًا في حياتنا على الأرض. ولكن في مثل هذه ظروف يمكن أن يحدث أحيانـًا تجلـّيٌ، فينفتح طريقٌ لحياة الشركة عبر هذه التجربة.
يمكن لفرح الإنجيل أن يلمس من هو في أقصى حالات الضيق، فيأتي الله لينير لنا سر الألم الإنساني إلى أن يستقبلنا في علاقة حميمة معه.
عندئذٍ نجد أنفسنا في طريق الرجاء إذ لا يتركنا الله بمفردنا، بل يعطينا أن نتقدم نحو حياة الشركة، شركة المحبة التي هي الكنيسة، والتي هي في ذات الوقت شديدة الغموض ولا غنى عنها...
مسيح الشركة [7] يمنحنا هذه التعزية العظيمة هديةً لنا.
تستطيع الكنيسة أن تجعل الشركة الكاملة مع المسيح متاحةً بشكلٍ أكبرٍ بقدر ما تصبح قادرةً على شفاء القلوب بتوصيل المغفرة والعطف.
عندما تكون الكنيسة منتبهة لأن تحب وتفهم السر الكامن داخل كل إنسانٍ، عندما تنصت دون كلل، عندما تعزّي وتشفي، عندئذٍ تصبح كنيسةً حقيقيةً منيرةً بأقصى درجة: تصبح الانعكاس الصافي للشركة.
يتطلّب البحث عن المصالحة والسلام أن تكون هناك معركة داخلية لدى الإنسان. هذا الطريق ليس سهلاً. لا يمكن بناء شيء مستديم بسهولة. إن روح الشركة لا يوجد فيه سذاجة، بل هو توسيع للقلب، هو طيبة عميقة، وهو لا يترك نفسه عُرضةً للتشكك.
هل سوف يتقدّم كل واحدٍ منا في حياته نحو طريق الثقة وطيبة القلب المتجددين دائمًا حتى نكون حاملين للشركة؟.
أحيانـًا سوف يكون هناك إخفاقات في هذا الطريق. حينئذٍ فلنتذكر أن ينبوع السلام والشركة يوجد في الله. ودون أن نُصاب بالإحباط، علينا أن ندعو روحه القدوس لكي يعالج ضعفنا.
وسوف يمنحنا الروح القدس طول حياتنا أن نبدأ الطريق من جديد وأن ننطلق، من بدايةٍ إلى بدايةٍ، نجو مستقبل سلامٍ.
[8]
بقدر ما تخلق جماعتنا في العائلة الإنسانية فرصًا للتوسّع في...